[.. العنف اللفظي في المدآرس ..]

كلنا يعرف ان الضرب ممنوع في مدارسنا, لما يمثله من اهانة لذات الطالب, وعدوان على شخصيته وكرامته, وما يتركه من آثار سلبية على نفسيته وتحصيله الدراسي,
اضافة لضرره بالعملية التعليمية القائمة اساسا على فهم المعلم لواقع الطالب النفسي والاجتماعي.. الخ, واحتياجاته وما قد يعانيه من صعوبات في التعلم, ومن ثم نجاح المعلم
في بناء علاقة انسانية اساسها الثقة والمحبة والتقدير والاحترام الحقيقي المتبادل بينه وبين طلابه, وهذا يعتمد الى حد كبير على شخصية المعلم وثقافته وخبراته التربوية,
بحيث يتمكن من خلال هذه العلاقة الانسانية التفاعلية من تربية وتنمية قدرات الطلاب الفكرية, وسماتهم الشخصية ومهاراتهم الفنية والعلمية.
واذا كان العنف المادي (الضرب) بات ممنوعا وهو يمكن ملاحظته فيما لو حدثت تجاوزات, فان هنالك نوعا آخر من العنف سلاحه الكلمات والألفاظ والاشارات, قد يكون ابلغ اثرا
وتدميرا من الضرب وهو ما يسمى (العنف اللفظي), اذ ان بعض المعلمين يلجأ الى توجيه كلمات تصف طالبا ما بالغباء او البلادة, او تشبهه بأحد الحيوانات, او تصفه بوصف يثير
الاستهزاء والسخرية من قبل زملائه, وهو ما يسبب زعزعة في نفسية الطالب, وتصدعا في كيانه وشخصيته, وانهيارا ربما لثقته بنفسه, فالعنف اللفظي اشد خطورة من الضرب
المادي, فألم الجسد كما يقال قد ينسى مع مرور الايام, اما الإهانة النفسية فتأثيرها من الصعب ان ينسى.
فمفهوم العنف اللفظي في الواقع المدرسي هو استخدام كلمات او الفاظ غير تربوية واخلاقية تسبب احباطا عند الطرف الآخر بحيث تؤدي الى مشاكل نفسية او اجتماعية او تربوية
تؤثر سلبا على حياة الطالب المدرسية والعامة, ويعد الاسلام سباقا في الاهتمام بأسلوب المعاملة الكريمة, فقد حض ديننا الاسلامي الحنيف على الرفق في التعامل مع الآخرين,
وضرب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم المثل الاعلى في توضيح اساليب التنشئة الاجتماعية والتربوية والمعاملة الحسنة, فهو مثلا امر بالرفق في كل شيء وخاصة مع الاطفال
وعلاج اخطائهم بروح الشفقة والرأفة والعطف والرحمة, ومعرفة الاسباب التي ادت الى هفواتهم والعمل على تداركها بالأسلوب الأمثل, ولم يقر الرسول صلى الله عليه وسلم الشدة
والعنف في معاملة الاطفال واعتبر الغلظة والجفاء نوعا من فقد الرحمة من القلب واذا نظرنا الى مشكلة العنف اللفظي سنجد انه موجود في المدارس ولكن بدرجات متفاوتة,
وذلك حسب نوع المدرسة والمرحلة العمرية, كذلك تباين استخدامه من معلم لآخر حسب خبرة المعلم العلمية والتربوية وحسب توازنه انفعاليا واخلاقيا, ومن وجهة نظري اصبح
استخدامه اقل من اي وقت مضى, ولكن نلاحظ انه في كثير من الاحيان يلجأ الطلاب الى استثارة المعلمين, وعدم تنفيذ اوامرهم, وعدم الالتزام بالنظام والدخول الى الفصول وغيرها,
وهذا يستدعي بدون قصد خروج الفاظ من المعلم قد لا يقبلها الطالب, وبالتالي يوصى المعلمون باستمرار ونحن على اعتاب عام دراسي جديد بالتحكم في مشاعرهم وفهم ابعاد اي
موقف يقوم به الطالب, والتعامل معه التعامل التربوي المناسب المتصف بالهدوء والروية. فمن المفترض ان تكون العلاقة بين المعلم والطالب علاقة انسانية ودية تقوم على الاحترام
المتبادل بين الطرفين, لكن المعلم الذي يلجأ الى مثل هذا الاسلوب هو معلم يفتقر الى الاساليب التربوية الناجحة ويفتقر كذلك الى مهارات التعامل, وقد يكون معلما لديه مشكلات صحية
او اجتماعية او نفسية, فينعكس ذلك على سلوكه مع الطلاب, وقد يؤدي ذلك الى كره الطالب للمعلم وبالتالي كرهه للمادة الدراسية والمدرسة بشكل عام مما يسبب التسرب المدرسي,
وايضا تؤثر الاساءة اللفظية وبشكل كبير في ارتفاع العدوانية لدى الطالب وتسهم في اثارة الحقد والكراهية لديه, وتجعله يسلك طريقا منحرفا في بعض الاحيان, حيث وجد التربويون
ان استخدام المعلم لكلمة مثلا (ياغبي) للطالب باستمرار وبشكل يومي يمكن ان تخلق منه بالفعل انسانا غبيا وغير قادر على النجاح.
وبالتالي ندرك اننا كتربويين نعد شخصية الطالب ليكون مواطنا صالحا نافعا للوطن, فمن اهداف التعليم تكوين شخصية متكاملة للطالب سليمة وخالية من المعوقات النفسية
ولديها روح الايجابية تجاه الآخرين وذلك متزامن مع المستوى العلمي والمعرفي, ولهذا علينا ان نختار اساليب تربوية حميدة لتعديل السلوك حتى لا تؤثر سلبا على شخصية الطالب,
فالمعلم مطالب بالبحث وراء الاسباب التي جعلت بعض الطلاب يلجأون لتصرفات غير مرضية فقد تكون اسبابا اجتماعية او نفسية او اقتصادية.. الخ, حتى يستطيع التعامل معهم بصورة صحيحة,
وبالتالي مساعدتهم في التخلص من مشاكلهم وبناء الشخصية الايجابية.