المقصود بالحوار مع الذات: العمل على مراجعة الإنسان لنفسه وأفكاره، والوقوف معها وقفة تأمل وتصحيح لتحديد مواطن الخلل وإصلاحها، وتحديد مواطن الصحة لتعزيزها ودعمها.
وبهذا، يعد الحوار مع الذات أحد نوعي الحوار العلمي الذي يذكي في نفس المحاور العمل على مراجعة الأفكار، وتصحيح المواقف، من خلال الاعتماد على خلجات النفوس وأحاسيسها الداخلية، مما يؤدي بالنتيجة إلى رقابة الإنسان على نفسه وأفكاره من جهة، أو من خلال محاورة الإنسان لبني جنسه الذين يلتقون معه في قدر كبير من المصالح المشتركة، الأمر الذي يعمل على تفعيل النقد الذاتي البناء مما يصـح أن يطلق عليه «حوار الأنا» أو «حوار الذات» ليكون هذا النوع من الحوار فاتحاً لآفاق واسعة من الحوار مع (الآخر)، ذلك أنه «إن لم تستطع محاورة نفسك فإنك لا تستطيع محاورة الآخرين».
ويمكن لنا أن نحدد نماذج الحوار مع الذات بالأشكال التالية :
1 - المناجاة والدعاء.
2 - اللوم والمعاتبة للذات «النفس اللوامة».
3 - الحوار الداخلي «الحوار الوطني».
و سوف نتناول الشكل الأول:
المناجاة والدعاء:
يحتاج الإنسان إلى مناجاة الله تعالى لإذكاء الشعور برحمته وعظمته وعنايته، وإخلاص التوجه إليه بالدعاء والاستغفار، وفي هذا يقول الله تعالى: ((وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ)) (غافر:60)
قال الله تعالى: ((قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَـٰنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ)) (الأنعام:63-64)
و يدل هذا على أنه عند حصول الشدائد يأتي الإنسان بأمور:
أحدها: الدعاء.
وثانيها: التضرع.
وثالثها: الإخلاص بالقلب وهو المراد بقوله (خفية).
ورابعها: الالتزام بالشكر.
والمقصود من ذلك أنه عند اجتماع الأسـباب الموجبة للخوف الشـديد لا يرجع الإنسان إلا إلى الله، وهذا الرجوع يحصل ظاهراً وباطناً، لأن الإنسان في هذه الحالة يعظم إخلاصه في حضرة الله وينقطع رجاؤه عمن سواه.
ومن خلال هذه المعطيات يمكن لنا أن نعتبر الدعاء والمناجاة لوناً من ألوان الحوار مع الذات، حيث إن دعاء الإنسان نابع من حسن الظن بالله تعالى والثقة باستجابته، وفي ذلك يقول الله تعالى: ((ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ)) (الأعراف:55)