قد أوضح لك المولى سبحانهوتعالى من قبل أن هذا القرآن بصائر من ربنا وهدى ورحمة، ألا يستحق أن تحتفي به أيهاالمؤمن؟..
ألا تجذبك هذه الحيثيات الثلاث لأن تعطي له أذنك وألا تنصرفعنه؟.
إذن لا بد أن تنصت للقرآن الكريم لتتلقى الفوائد الثلاث؛ البصائر،والهدى، والرحمة،
وهو حقيق وجدير أن يُحْرَص على سماعه إنقُرئ.
ولنلحظ أن الله تعالى قال: { فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ } ولم يقل " اسمعوا " ، لأن الاستماع فيه تعمد أن تسمع، أما السمع فأنت تسمع كل ما يقال حولك، وقدتنتبه إلى ما تسمع وقد لا تنتبه، ومن الرحمة المحمدية يقول حضرة النبي صلى اللهعليه وسلم ناهياً عن التسمع لأسرار الغير تجسساً عليهم بالبحث عن عوراتهم فيمايرويه عنه سيدنا أبو هريرة رضي الله عنه حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تجسَّسُوا ولا تحسّسوا ولا تناجشوا وكونوا عباد اللهإخوانا ".
وفي هذا تحذير من هذه الأمور الخمسة التي منها التلصص والتصنت إلىأسرار الناس. { وَإِذَا قُرِىءَ ٱلْقُرْءَانُ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [الأعراف: 204].
والإنسان قد يصمت ويستمع ولكنبغير نية التعبد فيحرم من ثواب الاستماع،
فاستمع وأنصت بنية العبادة، لأنالله هو الذي يتكلم، وليس من المعقول والتأدب مع الله أن يتكلم ربك ثم تنصرف أنتعن كلامه،
وقد لفت أنظارنا سيدنا جعفر : ونبهنا إلى ما فيه الخير حيثيقول:
" عجبت لمن خاف ولم يفزع إلى قوله تبارك وتعالى: { حَسْبُنَا ٱللَّهُوَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ } ،
ونحن حين نستمعلقراءة القرآن الكريم بنية التعبد فذلك هو حُسْن الأدب الذي يجب أن نستقبل به العبرالتي تعود بالفائدة علينا.
ووقف العلماء حول الإنصات سماعاً للقرآن؛ أيكونالإنصات إذا قرئ القرآن مطلقاً في أي حال من الأحوال، أو حين يُقرأ في الصلاة، أوحين يُقرأ في خطبة الجمعة؟
وقد اختلفوا في ذلك، فبعضهم قال: إن المقصودهو الإنصات للقرآن حين يُقرأ في الصلاة، والسبب في ذلك أن الأوائل من المسلمينكانوا حينما يقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، يعيدون بعده كل جملةقرآها..
فإذا قال: بسم الله الرحمن الرحيم؛ قالوا: بسم الله الرحمنالرحيم، وإذا قال: " الحمد لله رب العالمين " ، قالوا: " الحمد لله ربالعالمين " فينبههم الله عز وجل إلى أن يتركوا رسول الله صلى الله عليه وسلميقرأ وهم يستمعون إليه دون ترديد للقراءة.
قال آخرون من العلماء: الإنصاتللقرآن الكريم يكون في الصلاة، وفي خطبة الجمعة أو العيدين، لأنها تشتمل على آياتمن القرآن، ولكن اشتمالها على الآيات أقل مما يقوله الخطيب، ونبه البعض إلى أنالإنصات للخطبة ثبت بدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام: " إذا قلت لصاحبك والإماميخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت ".
إذن الإنصات للخطبة جاء بدليل منالسنة.
وهناك قول بأن الاستماع مطلوب للقرآن في أي وضع من الأوضاع حينيُقرأ؛ ففي هذا احترامٌ ومهابةٌ لكلام الله عز وجل،
؛ لأن الحقسبحانه وتعالى أراد أن يميز القرآن على مطلق الكلام، فميزه بأشياءَ، إذا قُرئ ننصتله، وإذا مسّ المصحف لا بد أن يكون على " وضوء "
حتى لا يجترئ الناسويمسّوا المصحف كأي كتاب من الكتب، وهذا يربي المهابة فلا تمسك المصحف إلا وأنتمتوضئ وأيضاً في " الكتابة " شاء الحق تبارك وتعالىلبعض ألفاظه كتابة خاصة غير كتابة التقعيد الإملائي؛ حتى يكون للقرآن قداسةخاصة، فهو كتاب فريد وليس ككل كتاب وكلامه ليس ككل كلام.